فصل: تفسير الآيات (7- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [5].
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ} أي: الذين تحزبوا على الرسل، وناصبوهم: {مِن بَعْدِهِمْ} أي: من بعد سماع أخباهم، ومشاهدة أثارهم: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي: ليتمكنوا منه، ومن الإيقاع به، وإصابته بما أرادوا من تعذيب، أو قتل، من الأخذ بمعنى الأسر، والأخيذ الأسير: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ} أي: قابلو حجج الرسل بالباطل من جدالهم: {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي: ليزيلوا به الأمر الثابت بالحجة الصحيحة، لكنه لا يندحض وإن كثرت الشبه؛ لما أنه الثابت في نفسه المتقرر بذاته: {فَأَخَذْتُهُمْ} أي: العذاب الدنيوي المعروف أخباره، المشهود آثاره: {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي: في الدار، فيعتبر به عقاب تلك الدار.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [6].
{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} قال ابن جرير: أي: وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها، التي قصصت عليك، يا محمد، قصصها، وحل بها عقابي. كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بالله من قومك، الذين يجادلون في آيات الله؛ لأنهم أصحاب النار.
ثم نوه بالمؤمنين، وبما أعدّ لهم، بقوله تعالى:

.تفسير الآيات (7- 10):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [7- 10].
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} أي: من الملائكة. وقد سبق في تفسير آية: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، في الأعراف، كلام في حملة العرش، فراجعه: {وَمَنْ حَوْلَهُ} يعني الملائكة المقرّبين: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: ويقرون بأنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك لا يستكبرون عن عبادته. وفائدة التصريح بإيمانهم مع جلائه، وهو إظهار فضيلة الإيمان، وإبراز شرف أهله، والإشعار بعلة دعائهم للمؤمنين، حسبما ينطق به قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} فإن المشاركة في الإيمان أقوى المناسبات وأتمها، وأدعى الدواعي إلى النصح والشفقة.
وفي نظم استغفارهم لهم في سلك وظائفهم المفروضة عليهم، من تسبيحهم، وتحميدهم، وإيمانهم، إيذان بكمال اعتنائهم به، وإشعار بوقوعه عند الله تعالى في موقع القبول: {رَبَّنَا} أي: يقولون ربنا: {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} أي: شملت رحمتك، وأحاط بالكل علمك: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أي: صراطك المستقيم بمتابعة نبيك في الأقوال، والأعمال، والأحوال: {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أي: عمل صالحاً منهم، ليتم سرورهم بهم: {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أي: عقوبتها وجزاءها: {وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي: لبغضه الشديد لكم، أعظم من بغض بعضكم لبعض، وتبرؤ كل من الآخر، ولعنه حين تعذبون، كما قال تعالى: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25]، أو أعظم من مقتكم أنفسكم وذواتكم، فقد يمقتون أنفسهم حين تظهر لهم هيئاتها المظلمة، وصفاتها المؤلمة، وسواد الوجه الموحش، وقبح المنظر المنفر: {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} أي: تدعون على ألسنة الرسل عليهم السلام، إلى الإيمان به سبحانه، فتكفرون كبراً وعتوّاً.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [11].
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} أي: أنشأتنا أمواتاً مرتين، وأحييتنا في النشأتين كما قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]، قال قتادة: كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة. فهما حياتان وموتتان: {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} أي: فأقررنا بما علمنا من الذنوب في الدنيا، وذلك عند وقوع العقاب المرتب عليها، وامتناع المحيص عنه: {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} أي: فهل إلى خروجنا من النار، من سبيل، لنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل. قال الزمخشري: وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط. وإنما يقولون ذلك تعللاً وتحيراً. ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك. وهو قوله تعالى:

.تفسير الآيات (12- 13):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [12- 13].
{ذَلِكُم} أي: ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب، وأن لا سبيل إلى خروج قط: {بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} أي: بسبب إنكاركم أن الألوهية له خالصة، وقولكم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص: 5]، وإيمانكم بالشرك: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} أي: فالقضاء له وحده لا للغير. فلا سبيل إلى النجاة لعلوّه وكبريائه، فلا يمكن لأحد ردّ حكمته وعقابه: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} أي: من الريح، والسحاب، والرعد، والبرق، والصواعق، ونحوها: {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقاً} أي: مطراً. وإفراده بالذكر من بين الآيات، لعظم نفعه، وتسبب حياة كل شيء عنه: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} أي: وما يتعظ بآياته تعالى، إلا من يرجع إليه بالتوبة والإنابة.

.تفسير الآيات (14- 15):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [14- 15].
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: فاعبدوه مخلصين له الدين، عن شوب الشرك.
{وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أي: غاظهم ذلك: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} أي: رفيع درجات عرشه كقوله: {ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش. وهي دليل على عزته وملكوته، أو هو عبارة عن رفعة شأنه، وعلو سلطانه، وكمالاته، غير المتناهية: {ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ} أي: الوحي والعلم اللدني الذي تحيا به القلوب الميتة: {مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي: أهل عنايته الأزلية، واختصاصه للرسالة والنبوة: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} أي: يوم القيامة الكبرى، الذي يتلاقى فيه العبد بربه ليحاسبه على أعماله، أو العباد.

.تفسير الآيات (16- 17):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [16- 17].
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} أي: من قبورهم، أو ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل، أو بناء.
{لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} أي: من أعمالهم، وأعيانهم، وأحوالهم. وقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ينادي به الحق سبحانه، عند فناء الكل، أو وقت التلاقي، والبروز، فيجيب هو وحده: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ} أي: المتفرد بالملك: {الْقَهَّارِ} أي: الذي قهر بالغلبة كل ما سواه: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي: بإيصال ما يستحق كل منهم إليه، من تبعات سيئاته، وثمرات حسناته.

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [18].
{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} أي: الواقعة القريبة: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} أي: من أهواله ترتفع القلوب عن مقارّها، فتصير لدى الحلوق: {كَاظِمِينَ} أي: ممتلئين غمّا، بما أفرطوا من الظلم: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي: قريب يهتمّ لشأنهم، فيخفف عنهم غمومهم: {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أي: من يشفع في تخفيفها عنهم؛ إذ لا تقبل شفاعة فيهم.

.تفسير الآيات (19- 25):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [19- 25].
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} أي: نظراتها الخائنة، وهي الممتدة إلى ما لا يحل: {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} أي: تكنّه من الضمائر والأسرار: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} أي: بالعدل: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} أي: لأنهم لا يقدرون على شيء: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ} يعني حصونهم وقصورهم وعددهم: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ} أي: بآيات نبوته: {مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ} أي: قالوا أعيدوا عليهم القتل، كالذي كان أولاً، واستبقوا نسائهم للخدمة: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي: وما مكرهم في دفع ما أراد الله من ظهور دينه، إلا في ضياع؛ إذ هو كالغثاء الذي يقذفه تيار الحق.

.تفسير الآية رقم (26):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [26].
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أي: ما أنتم عليه من عبادة الأصنام: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} أي: فساد مملكتي؛ إذ يتفق الكل على متابعته، وإجراء أحكامه.

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [27].
{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أي: التجأت إليه وتوكلت عليه، فهو ناصر دينه، ومعزّ أهله.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [28].
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} أي: من فرعون وملئه: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} أي: من عذاب الدنيا إن تعرضتم له. وقد أشار الزمخشري إلى ما في طي هذا القول من اللطائف والأسرار، بما ملخصه: إن هذا المؤمن استدرجهم في الإيمان باستشهاده على صدق موسى، بإحضاره عليه السلام من عند مَن تنسب إليه الربوبية، بينات عدة لا بينة واحدة، وأتى بها معرفة، معناه البينات العظيمة التي شهدتموها وعرفتموها على ذلك، ليلين بذلك جماحهم، ويكسر من سورتهم.
ثم أخذهم بالاحتجاج بطريق التقسيم، فقال: لا يخلو من أن يكون صادقاً أو كاذباً. فإن يك كاذباً فضرر كذبه عائد عليه. أو صادقاً فيصبكم، إن تعرضتم له، بعضُ الذي يعدكم. وإنما ذكر بعض، في تقدير أنه نبي صادق، والنبي صادق في جميع ما يَعِدُ به، لأنه سلك معهم طريق المناصحة لهم والمداراة، فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم، وأدخل في تصديقهم له، ليسمعوا منه ولا يردوا عليه صحته، وذلك أنه حين فرضه صادقاً، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يَعِدُ. ولكنه أردفه: {يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، ليريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه، وأثنى عليه، فضلاً عن أن يكون متعصباً له، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل.
قال الناصر: ويناسب تقديم الكاذب على الصادق هنا، قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26- 27]، فقدم الشاهد أمارة صدقها على أمارة صدق يوسف، وإن كان الصادق هو يوسف، دونها، لرفع التهمة وإبعاد الظن، وإدلالاً بأن الحق معه، ولا يضره التأخير لهذه الفائدة. وقريب من هذا التصرف لإبعاد التهمة، ما في قصة يوسف مع أخيه؛ إذ بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه. انتهى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} قال الزمخشري: يحتمل أنه إن كان مسرفاً كذاباً، خذله الله وأهلكه، ولم يستقم له أمر، فتتخلصون منه، وأنه لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله للنبوة، ولما عضده بالبينات.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [29].
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} أي: عالين وقاهرين، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم بأنفسكم، ولا تعرضونا لعذابه تعالى: {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} أي: ما أشير عليكم إلا ما أستصوبه من قتله؛ إذ البأس السماوي من أجل قتله، أمر متوهم. فإتباعه غلط: {وَمَا أَهْدِيكُمْ} أي: بإراءة رأي قتله: {إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} وهو دفع تبدل دينكم، وإظهار الفساد في الأرض، بإظهار أحكامه.